الحب حد الموت
______________
لا يوجد مفهوم مخترق مثل مفهوم الحب
محبة الله ..
الناس ..
ذويك ..
محبوبتك .
وعلى قدر تعدد مسالك الحب
يبقى حب الله وحب الحبيب أكثر أنوع الحب لوعة
مات الكثير في حب الله , وتعذب الكثير في حبه
وأكثر الذين عذبهم حبهم لله الصّوفّيون
فالحب الصوفي يرتفع بصاحبه حد الذوبان في الذات الإلهية بعد حصول التأله , ولديهم تدرجات للوصول للعشق يبدأ بالموافقة – الميل – المؤانسة – المّودة – الهوى - الخلّة – المّحبة - الشّغف – التّيم – الوّله – العشق . وفي هذه المحطة قد يفقد العاشق رأسه بحجة الشرك بالله والتعرض لشخص الخالق . ويكون موته شنقا أو حرقا أو رجما على أيدي الجهلة .
ولعل الحلاج واحدا من الذين أحبوا الله وماتوا بحبّه .
يقول : ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه .
ويقول : أدعوك بل أنت تدعوني فهل **** ناديت إياك أم ناجيت إيايَّ ؟
ويقول : عجبتُ منك ومني *** يا منّية المُتمني
أدنيتني منك حتى *** ظننتُ أنك أّنيِ
وهو ليس وحده من ذهب به الوله لهذه الدرجة , فشاعر الصّوفين وسيد العاشقين المدلهين أبن الفارض كان ينشد :
سألتك أن أراك حقيقة فأسمح *** ولا تجعل جوابي لن تراني
وكان يشجع على الموت في سبيل الحّب :
أن الغرام هو الحياة فمّت به صَبا *** فحقُكَ أن تموت وتقدرا
ويذهب به الخيال فيقول
يُحشر العاشقون تحت لوائي *** وجميع المِلاح تحت لِواكَ
ولعل أي شاعر أو صوفي أو عابد أختلط لديه الحب بالعبادة حد العشق بحب الله حد الجنون تلك ليست جريمة , غير أن قصار النظر ساقوا الحلاج إلى السجن تحت تهمة الكفر فعُذب وجُوع وعِطش , وكانوا يعلقونه يوميا على الجسر في بغداد بأمر الخليفة العباسي المقتدر بالله وينادون بكفره فيجلد ثم يُنزل ويحبس على مدى عامين
حتى صار مجرد شبح , وأخيرا أعدم وأحرق بالنار بعد أن جُلد ألف جلدة , وقُطعت يداه ورجلاه وفصل رأسه عن بدنه , ومع هذا كان ينشد :
اقتلوني يا ثقاتي *** أن في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي *** وحياتي في مماتي
قال عنه أبو بكر الشبلي : لقد كنت عطرا نائما في وردَّتك فَلِم انسكبت , أيستحق ذلك العالم الذي وهبته دمك !؟
وقال عنه فريد الدين العطار : بأية حماسة وحمّية جاهر هذا العاشق الجسور برأسه كيما يظفر بجوهرة الجمال الإلهي!؟.
وأنفض عرس دم أعظم شهيد في حب الله وعاد محبوه منكسري القلوب , وهم يرددون أبياته الشجية
والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت *** إلا و حبّـك مقـرون بأنفاسـي
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم إلا *** وأنت حديثي بين جلاســي
ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا إلا *** و أنت بقلبي بين وسواســـي
ولاهممتُ بشرب الماء من عطش إلا *** رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـــأس
ولو قدرتُ على الإتيان جئتـُكم سعياً *** على الوجه أو مشياً على الرأس
ما لي وللناس كم يلحونني سفها *** ديني لنفسي ودين الناس للناس
رحم الله الحسين بن منصور الحلاج , المولود في منطقة البيضة ضمن أهوار محافظة ميسان سنة 858 م وأعدم عام 922 م