خواطر// أحمد الهاشم

أنثر حروفي على رأسك
صباح كل يوم
ازين خصلاتك المجدولة بأنفاسي
فأرسم اكليلا مجدولا
فوق جببنك
فيزيده وضاء
أعرف أنك تنتظرين
رسائل شوقي
لأنها همزة التواصل بيننا
مثل مطر ينثر رذاذه على الزهور
أفرش طريق يومك ببساط كلماتي
بعد أن يغزلها ليلي الطويل
ومع أني لا أملك
أخجل لأنها لا تليق بوصفك
أمراة مثل باقي النساء
لكنها بقلب طفل
وعطر ورد
وجمال وصف لا يوصف
لكني أكتب من جرح ندي
بريشة طائر دمه يفور شوقا

من ذكريات الصبي أحمد ….. 3
شوارع المدينة التي نحبها
تأخذنا لازقتها الملتوية
نلعب الختيلة تارة
والملك وحاشيته تارة أخرى
كنا خليطا بنين وبنات
لا نعرف العيب
وذات يوم قالت ليلى :
تعال نلعب لعبة
العريس والعروسة *
بنينا بيتا من علب الكبريت
والسجائر
وبعض حاجيات تافهة
وراحت تعد الطعام
وأنا ازرع الأرض
لم نكن نعرف الميكانو
ولا ألعاب البلاستك
ومن يومها كنتُ كل صباح
أنتظر ليلى
ونذهب سوية للمدرسة
وكثيرا ما كنت أحمل كتبها
وتتكأ على كتفي
خوفا من الزلق
كانت أرق من فراشة
وأعذب من ماء نهر
نهر مدينتنا
* أرجو أن لا ينصرف الذهن بعيدا

نفترش العشب مثل طائرين صغيرين
يبحثان عن زاوية تغطي جناحيهما
لا فرق عندي أن تكوني
معي أو لا تكوني
فقد أدمنت وجودك في الحالتين
بعد أن جمعنا البعد
واختزلنا المسافات
حتى صرتي ذاكرتي المتقدة
مثلما أنا ذاكرتك
كم تمّردتي في البداية
كم تجاهلتي شغفي
وكم ..وكم
لكني كنتُ على قناعة
أنك أنت لا غيرك
المرأة التي ظلّتُ
سنين طوال
أبحث عنها
فالحب يا سيدتي
ليس بتواصل الأجسام
بقدر تواصل الأرواح
قد يكون لك رأي آخر
يوم كنا ما نزال
لم نعرف بعضنا بعضا
وحين تسامينا
صرنا بحر وساحل
جبل وظل
بل كائنين غريبين
خَلقنا من المستحيل حقيقة
حتى صارت لنا بيوتا
بين السحاب
وفي ثنايا قطرات المطر
وبين مياسم الزهور .

في المحطات الكثيرة
التي فارقناها ظلت ملامحنا شاهدا
بصمات أصابعنا ..
تقاطيع وجوهنا
كلامنا المشترك
بعد أن رسمنا على أرصفتها وجودنا
يوم صرتي قريني الدائم
في كل محطة تركنا
عبق وجمال ما نحن فيه
رغم البعد والهم والقلق
لكن وجودنا الدائم
حول الغربة إلى ما يشبه الحياة المشتركة
واليوم حين تكونين
في محطة لقائنا الأخير
تتجسد أمامك صوراللقاء
ستذكرين المطر ..
واحتمائك بيّ
واقترابي منك
ويدي خلف ظهرك
وشعرنا المبلل
وعدم تصديق ما نحن فيه
من آخر فنجان قهوة شربناها
وأول حبة (مّنكا) أكلناها
في هذا اللقاء
كتبنا على القمر سطورا مسمارية
كي لا يقرأها غيرنا
ورسمنا على بواباته
ذكريات لوحات سريالية
أقرب للخيال منها للمتعة
سيرافقك وجهي
وتطوف كلماتي حولك
ولن تكوني وحدك مثلما تتوقعين

يزهر ورد روضي تحت وابل مطرك
اغتسل من ذنوبي
بعد أن أتطّهر بمحراب حبك
ننسج خيوط عشقنا
بمهارة البوح اليومي
تتسامين مثل آلهة سومرية
بين يديها كنوز الأرض
التي لا توصف
لكنها غير عابئة
بالدنيا
وأتخيل نفسي أملك الدنيا وما فيها
لأنك كنز الله الذي
كان نصيبي

تعودتُ أن تكون يدي وسادة لرأسك
وشعرك باقات سنابل يُغطينا
حد تشابك بعضها البعض
ومع هذا أشعر أننا
بعيدين والمسافة الفاصلة طويلة
كم مرة فكرت بالاقتراب أكثر
حتى تمنيت لك نوما
بين الجفنين
تحرسك أهداب العينين
أو بين الشفتين
وملامسة أوراق الورد
وإن شئت ألا تنامي
بين بصري والمرئيات
وظلال شجيرات الورد
توسدي خلاياي
فأنت لستِ واحدة منهن
بل أنت الأم صاحبة الولادة
وإن شعرت ما زال البعد يحرقنا
اختاري لك وسادة أخرى
في الوريد ..
أو بين الضلوع
كي أشعر بقربك
ويستريح الجسد المعتق
بنبيذ السُكر
حد الارتواء

فنجان قهوتي ينتظر سكر شفتيك
وباب حديقتي مشرع لاستقبال عطرك
أنتظرك بفارغ الصبر
مثل كاهن عيناه معلقة
على جرس كنيستة
أو صوفي طال سجوده
صرت هوايتي الوحيدة
بعد أن نسيت جملة عاداتي
صار وجودنا واحدا
لهذا كلما تأخرت أزددت شوقا
يا امرأة مثل ياسمينة دمشقية تارة
وشجيرة قداح أخرى
يبقى نهاري ملتفا
بعباءة الليل قبل بزوغ قمرك
ودنياي بلا طعم
وكلما تصورنا اللقاء يصنع الراحة
شعرنا العكس
ربما هي فلسفة الحب هكذا
أو نحن استثناء
مما فيه الآخرون .

من يوميات الصبي أحمد ...2
فقد بيتنا صبيين وفتاة
على مدى خمس سنوات
تغير جو العائلة
بعد أن مات الابن البكر (ياسر) فجأة
من حبهم له علقوا بطاقة أحواله المدنية
في واجهة الغرفة
بين صورة للأمام علي
ومريم العذراء
وبنت المعيدي *
ربما كانت أمي
تختزل القليل من المصروف
كي تشتري الصور
تعتقد أن صورة الإمام علي بركة
وتحرس البيت
وصورة مريم العذراء لأنها تشترك معها بالاسم
وبنت المعيدي للتشابه الجمالي بينهما
نسيت أن أقول أن أبَّوي
لم يكن ببالهم
أعطاء هوية الأحوال المدنية العائدة لأخي لي
بدليل سمّوني أحمد
ولكن بسبب سفر والدي بعيدا
أضطرت أمي منحي بطاقة أخي
تخلصا من المراجعة .
المهم صار لي اسمان
في المدرسة ياسر
وفي البيت والشارع أحمد
وظل أخي المتوفي يؤرقني
وأشعر حياله بالذنب
لأنني سرقت منه
الشيء الوحيد الذي يملكه .
(لليوميات بقية )