رجل بلا ذكورة
قصة قصيرة
لا أحد في المدينة الصغيرة من لا يعرف مكي , ليس بسبب دماثة خلقه وحسن سلوكه بل لأنه الحالة الاستثنائية . كان من عائلة فلاحية يأتي بين يوم ويوم بزورقه المحمل بالحطب ليبيعه ويعود محملا بحاجياته , وكنا نتعلق بزورقه محاولين إسقاطه في الماء لنرى حقيقة ما يتحدث به الناس .
كان المسكين يتضايق كثيرا رغم قسوته معنا , وذات يوم اختليت به فقال :
- الحق معهم , فأنا ليس واحد مثلهم .
قلت مشجعا إياه
- و ماذا ينقصك يا مكي ؟
رد بانكسار
ينقصني أهم شيء فيهم .
قالها بصوت كسير والحزن يتقاسم وجهه حتى خلته يبكي
إنه أحد أخوات خمس , ولأنه كان آخر العنقود كان أمل الأب كبيرا أن يكون ذكراً , لكن الأقدار شاءت على غير ما كانت العائلة تتمنى , حتى أن الأم وهي تحت يد القابلة ومع صرخة الوليد قالت برجاء :
- عله صبياً.
ردت القابلة :
- المهم سلامتك أمي .
حين أدركت الأم أن وليدها الأمل صبية. أنكبت على وجهها ببكاء مر .وتلك الليلة كان كل شيء على غير ما يرام . تركوه عند زاوية مظلمة , وكلما حاولت أحدى الأخوات أن تذهب إليه , يزمجر الأب ويرعد تهديدا ووعيدا.
أحست الأم أن الأب بانتظار نوم الجميع ليذهب به إلى النهر , أو إلى القمامة في مكان بعيد .لذلك تحاملت على نفسها بغفلة من الأب وأخذته لإحدى قريباتها .
تلك القصة المنغّصة سمعها كثيرا بشكل مباشر وغير مباشر , فصمم أن يتمرد على حالته ويصير رجلا ,والغريب أن شعورا داخليا تجاوب معه , شعر من صغره انه ليس بنتاً , وراح يلبس من أثواب أقرانه ويبتعد عن اللهو مع البنات , بل كان صبيا مشاكسا قويا كثيرا ما يرغم الأولاد على قبول إرادته , وكانت مربيته تساهم بتحقيق رغبته وتنمية طموحه , فقد كانت هي الأخرى تطمح أن يكون شاباً , كي يحقق رغبة أمه على رأس خمس بنات أدخلن الفزع بقلب الأب .
حتى إذا صار شابا ترك القرية وجاء إلى المدينة ليضيع في لجتها , لكن خبر كينونته جاء معه هو الآخر . رغم أن لا شيء من معالم الأنوثة في جسده .
كنت اشعر بالأسى له ومع محاولاتي إقناعه وتخطئة تصرفه كان يرد علي :
- تمنياتي أن تظل إلى جانبي .
بعد سنين لم أعد أراه فقد اختفى من المدينة , لكن مرارة حديثه , بل مرارة حياته ظلت تلازمني بين حين وآخر .
ذات يوم و إذا مكي وجها لوجه قبالتي , تطلعت إليه بشوق , كان قد ازداد طولاً وهيبة وجمالاً , قال وهو يحتضني :
_ كم أنا سعيد بلقائك لأني بحاجة لك كثيراً .
تطلعت به وكأني لا أصدق أن هذا مكي , فقد كان أقرب للإنوثة , شابة يافعة بملابس شاب أنيق , وما أن خلونا مع بعض راح يحدثني بثقة وتصميم وكأن لا شيء يعوق ذاته المثلومة الموجِعة , قال والابتسامة لا تفارق شفتيه
_ لعلك تقول أين كنت كل هذه المدة الطويلة يا مكي ؟ .
قلت : - والله صحيح , كلما أذكرك أزداد قلقا عليك , فعلا أين كنت يا رجل ؟ قال :
- لقد أحببت امرأة لدرجة الجنون وعندما أرتحل أهلها تبعتهم لأنها أحبتني بجنون وتعاهدنا على الزواج ....
قاطعته وأنا مستغرب ثقته بنفسه والاستغراب يأخذني هذه المرة أكثر بكثير من لقائي الأول به :
- لماذا لا تكون واقعيا يا مكي , فالمرأة التي تنشدها لا تريد منك الطعام والملابس , لان ذلك متوفر في بيت أهلها , إنها تريد رجلا يعامل أنوثتها بموجب سنة الحياة .
قال :
- لا تستعجل عليَّ . كنت مصمما أن أكسر تعلق أبي بالصبي وأنتصف لأمي التعيسة .
وأمسك يدي بقوة وهو يشد عليها ويغوص في عيني وكأنه يبحث عن شيء فقده . أحسست أنه يريد أن يبوح بسر لكن الخجل يغلق عليه أبواب التصريح . قلت له :
- مكي أراك تخفي شيئا ..أنا بمثابة أخوك قل لي كي أساعدك .
قال :
- لا أستطيع أن أبوح لك ما حصل... ولهذا كتبت لك هذه الرسالة ستجد فيها ما كنت تتمناه لي , يبدو أن الله ما كان يريد لي عكس أرادته .
في طريقي للبيت كانت الأفكار تتقاسمني مع كلماته الأخيرة وهو يودعني :
- في المرة القادمة يمكن أن تراني بشكل آخر .
وأول وصولي للبيت فتحت الرسالة وقرأت
كانت ليلة لا توصف , بعد سنين من العذاب والقلق والمذلة , ها هي غرفة نومنا تعبق بكل جديد معطر , ليلة عرس متميزة , وعروستي تتوسط السرير المزدوج , ها هي المرأة التي أحببتها مستلقية بانتظار فارس أحلامها الذي سيفتح بابا جديدا في حياتها .
أنا ما زلت اسميها أمرأة ... رغم أنها قالت لي (إنها ليست كذلك) .
تصور عندما قالت جملتها تلك كأن ناقوسا نحاسيا كبيرا رن في عقلي .سرت بي قشعريرة حمى باردة , وفجأة تقطعت عروق الماء بفمي , وتيبست اللذة صرت كحالي عندما يواجهني الناس بحقيقتي , وحبا بعدم جرح مشاعرها تجرعت حبة السم كانها حبة معطر فم , وقلت لها وأنا أمسك يدها بحنان وود :
-أنا أحبك ليس كامرأة , أحبك لروحك مهما كان شأنك .
ربما شجعها الكلام فمالت نحوي .. أحسست بها تطوقني وتضع رأسها فوق كتفي .وتعانقنا بقوة سمعت همس شفاهنا بل صفيرهما , حتى لم تعد مساحة السرير تستوعب حراكنا , تمرغنا كحيتين , نمت فوقها نامت هي فوقي وأخيرا استقر جسدها هامدا ونمت بكل ثقلي عليه وجهانا متقابلان وصدري يحتضن صدرها , إلا إنني لا أعرف لماذا ما زلنا حريصين أو قل مستحيين من أن نكون عرايا كليا وتلك ليلة تستحق هذا .
حالة دوار أخذتني شعرت بجسدي يقشعر وثمة دبيب ناعم يتوزعني شعرت كأن شيئا يتقطع بين فخذي وثمة حركة تتسلل بين جلدي ولحمي وتستقر بحركة حلزونية حول حلمة صدري وفجأة يتشقق اللحم داخليا لينبثق على صدري نهدان ناعمان وثمة تناغم في الأسفل لقد تغير كل شيء فيَّ , ومع كل تنفس لاهث كانت أنوثتي تستقر معلنة حقيقة شخصيتي .
قالت وهي تلتصق بيَّ وتتنفس بصعوبة بصوت مسموع :
لقد جاء بك القدر بالوقت المناسب , لقد عرفتك من اللحظة الأولى , ورضيت أن اكمل معك اللعبة , لكن الليلة جمحت عواطفنا كل لحقيقته , لقد شعرت كأن رائحة قد تفجرت منك بعثت فيَّ رجولة كنت مفتقدتها من زمن , جئنا شيئا ونحن الآن شيء آخر .
لك مني يا صديقي كل الحب .
تلك كانت الرسالة التي أودعني إياها مكي , لعلكم تندهشون مثلي لفترة طويلة كيف أن القدر يكتب قصة عندما يريد .
مصر
15 / 1 / 2017