الفصل الثالث :_
نسى عليش أنه حين بدأ مشواره في ساحة مسجد سيدي الغريب ،وأنه حين بدأ حياة الدروشة أفتتح كتابا لتعليم الأطفال القرٱن الكريم ،ليكسب ثقة الناس فيه ،مكتفيا بما يقدمه بعض أولياء الأمور من قروش زهيدة له ، لكن عندما وجد عليش أن الكتاب بات يأخذ كل وقته ولا يدر عليه أموالا كثيرة ، أسند أمره لحمزة أحد الطلاب الأزهريين ، والذي وجد فيه ضالته ،فواظب حمزة على الحضور والاهتمام به ، فكثرت تلاميذه أمامه وتنوعوا ما بين ذكورا ، وأطفالا وصبيانا ،وبات قانع بما يأتيه من قروش قليلة يستطيع أن يغطي بها بعض مصاريف دراسته . في ذات يوم خرج الشيخ عليش كعادته ، قاصدا ساحة مسجد سيدي الغريب ، إذ لمحت عيناه صبية في الخامسة عشر من عمرها ، تحمل في يدها مصحفا وتقصد الكتاب بالساحة ، لقد جذب قوام الفتاة وخطوتها اهتمام الرجل فألهبته وأسالت لعابه ،فشد رحاله خلفها وهو يتابعها بعينيه ، إلى أن دخلت وجلست بين الفتيات في حلقة التحفيظ داخل المسجد ، وهنا دخل عليش الكتاب خلفها ، وما أن رٱه حمزة حتى هب واقفا مرحبا به في إجلال وتقدير ، ثم راح عليش يطرح بعض الأسئلة على حمزة بغية الاطمئنان على سير العمل بالكتاب وهو يواري مقصد مجيئه الكتاب ودخوله على حمزة ، لاحظ حمزة أن عليش عيناه معلقتان بالفتاة لم تتركاها من لحظة دخولها الكتاب ، أراد عليش أن يشتت نظر حمزة عنه ،فراح يسأل حمزة عن أشياء بعيدة لا تمت للكتاب بصلة ،سرعان ما أخذه اللهيب ،فانتقل إلى بغيته وسأل حمزة وهو يشير بيده إلى الفتاة ، الذي دخل من أجلها الكتاب ، بنت من هذه يا حمزة؟ ., رد حمزة :ألا تعرفها يا مولانا ؟
عليش : لا لم أعرفها
حمزة :إنها عزيزة بنت صاحبك الشيخ سلطان .
عليش : عزيزة بنت الشيخ سلطان ؟ ما شاء الله ، حمزة :نعم يا سيدنا ،وأيقن حمزة مأرب الرجل ونقصد سؤاله ..
فتقدم عليش وجلس بجانبها وراح يتفقدها قطعة قطعة ، ويمسح بيده على رأسها ، ثم يترك يده تسبح حتى تصل ظهرها ، وهو يقول ما شاء الله ، شدي حيلك يا عزيزة والله لم أعرف أن الشيخ سلطان لديه هذه العروسة الجميلة ، ثم تركها وخرج ملتهبا، وقد ودعه حمزة ،وعرف حمزة سبب زيارة عليش للكتاب في تلك اللحظة ،، عادت عزيزة من الكتاب وراحت تحكي لأمها سكينة عن تتبع الشيخ عليش لها ودخوله الكتاب خلفها وما قاله لها ،فطنت سكينة لبعض المراد من كلام عزيزة ،وقبل أن تنقطق تدخل الشيخ سلطان في الحديث و كان لم يخرج بعد إلى الساحة كعادته ،لكنه سمع عزيزة وهي تحكي لأمها عن الشيخ عليش ، فنادى عليها وأراد يسمع منها ما قاله الشيخ عليش ، حكت عزيزة ما دار في الكتاب معها وما قاله الشيخ عليش ، فتبسم الشيخ سلطان ابتسامة عريضة وبرقت عيناه وانشرح صدره وقال لها : أبشري يا سكينة طالما الشيخ عليش وضع يده المبروكة فوق رأس عزيزة ومسحها سوف تنالها البركة . نظرت سكينة إلي سلطان نظرة غرابة كأن كلامه لم يعجبها ، ثم قالت : ربنا يسترها معانا ويحفظنا من كل سوء،