سلوا جَفْنَ عيني ما له بات ينزفُ | وعهدي به إن سُمْتُه الدمعَ يأنفُ |
ويا ربَّ هَمٍّ يملك النفس بالأسَى | ويعدو على العين الجمود فتذرف |
وما أنا! ما دمعي! وفي مصرَ أَنَّةٌ | بها الطير نَوْحٌ والغمائمُ وُكَّف |
بَكَيْنَ غريبًا طرَّحَ البين داره | فلا العَود مأمولٌ ولا الدار تُعْرَف |
وما أنكرت مصرُ ابنها فَنبَتْ به | ولكنه دهر على الحُرّ يُجْنِف |
ثَوى غربةً، بعد المعاد قرارها | فيا طول ما يستشرف المتشوّف |
وكنا حَسِبْنا شُقَّةَ البين تنطوي | فيأوي إلى مِرْباعه المتصيِّف |
وأطمعَنا في الملتقى لمع بارق | من السلم في ليل الحوادث يَخطِف |
فلم نر سلمًا ينتهي النأيُ عندها | بِنَاءٍ ولا حَتْمَ الردى يتخلّف |
ويا موقف َالتوديع هل تُسعد المنَى | فيجمعَنا يومٌ بمصرَ وموقف؟ |
أخاف المنايا أن يكنَّ رواصدًا | وما ليَ من أسبابها أتخوَّف؟ |
تحدثني طيرٌ جرَيْنَ بوارحًا | بأن المطايا بي إلى الموت تزحَف |
ويحزنني وِرْدُ المنايا ولم تزل | بلاديَ تحبو في الإسار وَترْسُف |
حرام علينا أرضُها وسماؤها | أَلِيَّةَ من لا يمتري حين يحلف |
ويا فلْكُ باسم الله مجراك أقلعي | فإما الرَّدَى أوينصف النيلَ منصف |
فما كان إلا أن طوى البحر والثرى | وحجَّبه سترٌ من الغيب مُسْجَف |
فدون تلاقِينا ليال وأشهر | وبين ديارينا جبال وصَفْصَف |
هنالك ألْقَى في بني الغرب رَحْلَهُ | على هِمَّة من هَمِّها الدهر يكْلَف |
بعيد المرامي لا تهدُّ صفاتَه | عوادٍ إذا صُبَّتْ على «الإلب» تحرَف |
تقذّفه في زاخر البأس همّة | جديرٌ بها الليث الهَصور المقذَّف |
وهَيْهاتَ أن يخشى أخو الحق قوةً | سوى الحق أو يعنو لبأس فيضعُف |
قضى اللهُ أن يُسْقَى «فريدٌ» بأرضنا | كؤوسًا بالاستسقاء للنفس تَخطِف |
يعزّ على «برلين» أن يغلب الردى | عليك بنيها، والردى ليس يُصرف |
أطبَّاءَهُ لو يستطيع فداءَه | بنو مصرَ غالَوْا في الفداء وأسرفوا |
قليل عليه لو يفدِّيه قومه | بما جمعوا من تالدٍ أو تطرفوا |
فليت الليالي سالمت فيه أمةً | براها الأسَى من بعده والتلَهُّف |
عرفنا له برَّ الوفيّ بعهدها | إذا خان قومٌ عهد مصر فلم يفوا |
أفاض عليها نفسه بعد ماله | ومال بهم عنها مَتاع وزُخْرف |
ولولا رجال مؤمنون نجوا بها | لراحت بها ريحٌ من الغدر زَفْزف |