[size=48]الفصل الثالث[/size]
[size=48]آدم وحـواء[/size]
[size=48] [/size]
[size=48]ما كاد آدم أن يضع قدميه ويخطو خارج نطاق الحرم والبيت العتيق حتى داهمه احساس غريب وشيء لم يعتده من قبل ....! فقد انقبض قلبه واستنفر الدق تحت أضلاعه وطي قفص صدره كأنه يصعد في السماء [/size]
[size=48]أو كأنه ينحط من علٍ يهوي فيخفق قلبه ، راح آدم يستبصر أمره وينظر دنياه الضيقة التي لم تتسع ولم تبرح ليتوه فيها ، لكن آدم بفطرته وإحساسه المندق في وجدانه نفر إلى ربه يستغفره ويدعوه أن يلطف به ويرفع عنه السوء وهو يخشى أن يكون قد أصاب أي من عائلته مكروه يكرهه ..[/size]
[size=48]فقد راح يتفقد الأشياء من حوله فإذا هي تغيرت وتبدلت وليس هناك من شيء على حاله كما رآه وتركه حين مر به في ذهابه للبيت العتيق ...راح يسأل نفسه ويلح في السؤال ما الذي حدث ؟. وما الذي طرأ على الدنيا فجعلها تتغير ؟. أوى إلى شجرة ليحتمي بظلها من وهج حرارة الجو من الشمس التي تكاد تلتهم بحرارتها كل أخضر فوق البسيطة ، أوى إلى الشجرة وهو يحس بحاجة إلى قطف منها فمد يده ليقطف منها ثمرة ووضعها في فيه فإذا هي حمضا وقد كان مذاقها سكرياً حلو شهي ، ظن آدم أن الثمرة لم تنضج بعد وأنه استعجل قطفها قبل الأوان فبحث عن أخرى عله يجد فيها بغيته ومراده لكنه وجد الثانية كالأولى ولا فرق بينهما في الطعم ولا في المذاق . أكل آدم الثمرة على مضض من طعمها وهو يحمد الله ويشكره على فضله ونعمه ومضى كالمسروق والمأخوذ في تيه عميق لا يعرف له أخر ولا قعر ... لكن آدم أحس بفطنة وإيمانه العميق أن الأمر ما بجلل وإنما الأمر كبير هكذا كان تصور آدم وهو يحدق فيما هو حوله ، لقد تغير كل شيء وتبدل كل شيء من حوله فإذا الوحوش قد نفرت منه بمجرد أن رأته وراحت تختبأ بعد أن تستأنس به وتسكن بجواره فيأخذ حاجته منها بيسر دون خوف منها على نفسه أو يخاف منها أولاده وقد اتخذت لنفسها مأوى ومسكناً بعيداً [/size]
[size=48]فلجأت إلى الغاب والكهوف في البراري ، وها هي الطيور قد لحقت بها وارتفت إلى السماء تحلق في الأجواء الخالية وقد اتخذت أعشاشها فوق الرُبا وعلى أطراف أغصان الشجر وسنامه وهي تخشى أن تحط على الأرض فزعة مرعوبة من صنيع ابن آدم مع أخيه وقتله له بدون ذنب مقترف أو فساد منتشر ، لقد انقلبت الدنيا على عقبيها [/size]
[size=48]من صنيعك وفعلك يا ابن آدم فما هو المنتظر ..؟ [/size]
[size=48]...لقد نظر آدم في مرآة يقينه فرأى الصورة التي كان يخافها ويخشاها فأسرع الخطى كي يقف على ما قبض قلبه وضيق عليه صدره وكان سبباً في تغير كل ما حوله ... لقد سبق إحساسه بصره وقد غرقت عيناه في بحر من الدمع الملتهب وتبللت لحيته وتوالت الدموع الملتهبة على الأرض تكاد تحرقها وتسريها رماداً تذريها الرياح إذا هبت ...لقد كان بكاء آدم خوفاً وخشية أن وقع في معصية الله فأخذه الله بذنبه ووقع تحت غضب الله وسخطه ....ماذا حدث يا آدم ؟. فأسخط الله وأغضبه عليك ...! وكلما سمع آدم قهقهة الشيطان ازداد يقينه أن الأمر عظيم وما هو بالسهل ...لقد نصح آدم أبناءه قبل رحيله للبيت وأوصاهم وأخبرهم بما يجب فعله وعمله وهو يعلم ويرى عناد قابيل وإصراره على مخالفته لأمر ربه وتعاليمه في رغبته نكاح حليلة أخيه هابيل ...كان يعلم تمام العلم وموقن أن الله لا يتقبل قرباناً أو صلاة من مخادع أو حاقد لأخيه إنما يتقبل الله دائما من المتقين المؤمنين الذين يسمعون كلام الله فيتبعون أحسنه ....[/size]
[size=48]ستكون الطآمة الكبرى لو نفذ قابيل وعده ضد أخيه ..ستكون طامة على كل بني البشر من بعدك يا آدم ...[/size]
[size=48]***[/size]
[size=48]ما كاد آدم يقف على مقربة من الجبل الشاهق عنه والشهاق من الفجيعة التي تمت على سفحه حتى أحس بزلزال في الأرض تحت قدميه وتكاد الجبال تنهار على رأسه وصوت يأتيه من جوفه كأنه يناديه ، صوت يعرفه ويحبه دائما ، هذا الصوت كان يأتيه رغبة وطوعاً قد هز أوتار قلبه وعصره عصراً وهو يدعوه ويستنجد به .....أبتاه : إن أخي يقتلني ... أخي يا أبت قاتلني [/size]
[size=48]كأن الصوت جاء ليُعَرف آدم وليقف على أكبر جريمة تمت في مهد البشرية ويستنجد به ويدعوه بالعجلة كي يدفع عنه الظلم ويمنع عنه ما سوف يحيق به ، لكن آدم لا يستطيع أن يمنع ما كان مقدراً ...ماذا فعلت يا أخي ؟ ماذا فعلت لك ؟. أقتلت نفساً بغير ذنب كي أقتل ، أم نشرت الفساد في الأرض وعثت فساداً فيها ..! أم ماذا اقترفت من ذنب كي أقتل أترضني على رأسي بالحجر ... !كيف يا قابيل ...؟ اتركني ....واعلم أن الله ما تقبل قربانك لأنه يعلم أنك ليس على السراط المستقيم وأن الله يتقبل من المتقين ، فاتقي الله يا أخي تقبل دعوتك ويستجيب الله لدعائك[/size]
[size=48]**[/size]
[size=48]وقف آدم ينعي حظه وقدره وراح ينشد بحسرة وألم ويقر بما هو حوله وقد غرقت عيناه بالدموع وتبللت لحيته بها واحترقت الأرض حزنا ...[/size]
[size=48]وقد عزف ناي الحزن فراح ينشد قائلاً : _____[/size]
[size=48]تغيرت البلاد ومن عليها [/size]
[size=48] فوجه الأرض مغبر قبيح [/size]
[size=48]تغير كل ذو طعم ولون [/size]
[size=48] وقل بشاشة الوجه المليح [/size]
[size=48]وجاء الرد ممن كان يقف معزياً [/size]
[size=48]أبا هابيل قد قتلا جميعا [/size]
[size=48] وصار الحي كالميت الذبيح [/size]
[size=48]لقد عمّ الحزن الجميع وملأ الكون واسود وجه الدنيا واغبر لونها [/size]
[size=48]فيا أسفاً على البشر من بعد فعلتك بأخيك .....![/size]
[size=48] بقلم @ سيد يوسف مرسي [/size]