المشرد
اعتاد الاستاذ عبد اللطيف الذهاب إلى مكتبه الكائن بشارع التحرير بسيارته المرسيدس من صباح كل يوم الساعة السابعة صباحا ، لا يستطيع التأخر والتخلف عن الميعاد لملاقات موكليه وزبائنه ، للوقوف والترافع عنهم بدلا منهم أمام هيئة المحكمة . في ذلك اليوم خرج بسيارته كالعادة يشق طريقه حيث مكتبه ، قبل يغمر الشوارع الزحام ويتأخر عن موعده وموكليه ، زاد من سرعة سيارته ، أشعة الشمس تغشو عينيه ، أسدل الستارة التي تحجب شعاع الشمس عن عينيه ، فاجأته إشارة المرور بالتوقف ، لتسمح للمقابل بالسير في الاتجاه المعاكس في الطريق ، تقدم نحوه رجلا ذو ثياب رثه ، ذو لحية طويلة مبعثرة ، وجهه شاحب وعينيه غائرتين ، على كتفه حقبة بالية ، وقف بجوار زجاج النافذة ،طرق عليها بأصابعه ، تمتم ببعض الكلمات التي لم يفهمها عبد اللطيف ولم يسمعها جيدا ، ضوضاء المحركات الهادرة صم أذنيه ك. نظر الاستاذ عبد اللطيف عليه ووضع يده في جيب سترته ليخرج له بعض ما تيسر له ، أدركته اشارة المرور ، أنطلق في طريقه ، وأعاد إلى جيبه ما أخرجه منه ، مال بظنه أنه أحد المتسولين الذين يسألون الناس الحافا ، ...! ، لكن لعدم تمكنه من إعطاءه الصدقه جعله عالقا في رأسه، بالرغم من انشغاله بأمور موكليه ، أحس أن صورة الرجل لا تفارقه ، تلاحقه ، كلما حاول طرحها من أمام عينيه راودته أكثر وضوحا ... حينما حان موعد عودته ، كانت الساعة تجاوزت الخامسة مساء حين عاد إلى شقته بعد أن قضى النهار مع الصورة العالقة والقضاء في المحكمة ، دخل شقته وألقى بحقيبته على مكتبه وأسند ظهره ورافع رأسه للسماء كأنه يبحث في سقف الحجرة عن شيء يفتقده أو غاب عنه ...