( يا سيدي )
يا سيدي لم أنقطع عن الدنيا ولم أدخل خندقاً منزوياً في كوكب آخر ، بل إنني موجود أمرح ،ألهو ، أترع فوق ربوعها ، لكن ما قيمة وجود كائن غير مفعل ؟ ما قيمة لكائن ليس له تأثير أو أثر ، كلما وددت الخروج لأعلن حضوري انكفأت على وجهي . بعضاً من المتأولين يتأولون ذلك عجزاً ويضعون حسابهم بالسلب أنهم لا يفقهون أن معطيات النهوض عند الكائنات مختلفة فيتشدقون يالمعرفة وهم جاهلون فيقرون بعجزي وعدم قدرتي على النهوض مستحضرين بعض التداعيات الغير كائنة ومرتكزين على قائمة الخيال الفوضوي والوهم المبني على المستحيل ، ومهما قدمت من أعذارفالبنسبة لهؤلاء المتأولون أسبابهم الواهية ، وقد كنت أتمنى من هؤلاء المتأولون الاصغاء والنظر فيما وراء المختزن والذي يقف مستتراً خلف الأبواب والجدران ، إنّ الأنين يأتي من سكب الوجع الذي بات بداخلي وأصبح متأصلاًً ما بدفين وبل يخفي وجهه والذي لا يود أن يغادر أعضائي وداخلي ، ولست أنا من يصنع الألم لذات ، فأسباب الألم كثيرة وبا تخفى على لبيب ، لذلك تراني في حالة انطوائية ظناً أنني غير مكترث بما يدور حولي أو إنني مصاب بمكروب فيروسي يسمى مكروب العزلة القاتل ...وما هذه بحيلة مني لأفر من قدري أو لأنزوي ،لكن يحدث ذلك تجنباَ واحترازا واحتياطا خشية العدوىمن الأمراض الفاتكة المتنقلة بين بني البشر . فقد انتشر في زماننا هذا بين الناس مرض السعار ومرض الشعار ( وهو خلو المريض من الشعور ومرض النميمة ومرض الحقد ومرض الغش ومرض التكبر فرأيت الناس يعضون بعضهم بعضاً أو يأكلون لحوم بعضهم بعضا وهم أحياء ما هم بأموات ، فأردت أن أنجو بعقلي وجلدي من هذه الأوبئة المنتشرة والتي لا سبيل من النجاة منها إلا الفرار والهروب حتى لا يصيبنا الجرب فالإنطواء رحمة والعزلة وقاية من هذا الجحيم ، ومن هذه النار على أقل درجة للحماية وحتى لا نشم رائحة الدخان المتصاعد وحتى لا تتعبأ رئتي وتضيق أنفاسي واختنق ، أشتاق لهواء نقياً كي أخرج أنفاسي ويسلم قصدي ، لذلك تركت القيل والقال وفي بغيتي تمنى السلامة وألوح من بعيد معلناً الحياد مؤقتا لا التسليم ،،فقد أصبحت لا ناقة لي ولا جمل فيما يدور في فلكنا فرحت أندس وأخبيء نفسي بين الحروف والسطور أقتل الوقت أفند ما غاب عن مرآتي عسى أن ألحق ركب النافعين ، فقد وجدت الكلام المسموع لا يجدي وقد أصبح القوم في صمم ، وأنا أقدس رسالتي عسى أن تكون حروفي شهادتي ...!
واستغرب ..! أفعال الخلق ومفهموم الخلق لكلمة الإنسانية والتعايش ، واسمع الكثير مما يدور في رحى العالم من منطوق ، وأدهش وأعصر أحشائي غيظاً وقهراً وهم يقلبون الأمورويقلبون المفهوم ويخلطون بين الرث والثمين وبين العلم والجهل ويحشدون قواهم لنيل الرزيلة ويكثرون الإفك ويتبارون في كسب الاثم مع سبق الإصرار والترصد إنهم يا سيدي يقتلون الإنسانية بما يفعلون ويدعون التمدين ويشيدون بالديمقراطية وقد جلبوا كل خبيث يمزق أواصر المعايشة فوجدت جثث الشعارات تموت تحت أقدام الطمع وعنترة القبلية والعنصرية والتباهي والتكبر فهذا يفاضل نفسه عن هذا وهذا يذم هذا وليس هذا بالخلق الحميد وأصبح التفاضل بكثرة الأثم وطرق اكتسابه بالدهاء والخداع والقوة الفارطة في الإعتداء والسطو لسلب حق الغير ، فقد نسى الخلق وألقى خلف ظهره كل حميد محمود ، وحتى أكون منصفاً فيما أقول أعلم أن ذلك ليس هو دأب الجميع فالبشر متباين في فعله وأن من البشر ما هو على السراط المستقيم ، وإنما كثرة ما يدور من الشرور وهو ما يقع في محيط كوكبي ، فهل أنا يا سيدي على صواب أم أنا على خطأ ؟...
بقلم : سيد يوسف مرسي