ساعدني يا الله ما عاد بالجسد قوة . ولا قلبي يحتمل
قد هرمنا ووهن العظم فينا .. كلمات قالها عبد الصمد كأنه يسري عن نفسه وهو يصعد السلم وقلبه يكاد يتوقف لولا أن أسند ظهره للجدار وتوقف ثم جلس ليستريح ويهدأ من أنفاسه المتلاحقة ...عاد عبد الصمد يعرج السلم من جديد بأنفاسه المتسارعة ليسأل عن صاحبه الذي غاب عنه ولم يعرف سببا لغيابه ..!؛
يخشى عبد الصمد أن يكون صاحبه قد أصابه مكروها
فليس له أصدقاء ولا صاحبا غيره ..فهو دائما منطويا على نفسه وذاته ...قليل الكلام دائما ولا يجلس مع أحدا غير عبد الصمد ....لقد مضت السنين
ولم ير عبد الصمد من أحد يزور عز الدين أو يزاوره
يراه دائما سائحا في ملكوته وهو جالس أمام العمارة التي يحرسها .. يدور بعينها في الوجود ثم ينكس رأسه وكأنه ينظر إلى نعليه .. كان عز الدين نوعا فريدا من البشر فكان يميل عبد الصمد. دائما للجلوس معه وهم يتبادلون الحديث دون يسأل أحدهما الآخر عن دنيته وأهله وناسه ... فالذي يجمع بينهما خصال تشابهت بينهما والقلوب أروحا مجندة من تقابل منهاإإتلف ومن تنافر منها اختلف وسبحان مقلب القلوب ..ولذلك لم يتواني عبد الصمد عن السؤال عن عز الدين والاطمئنان عليه ..
تخرج سيدة من شقتها فالعقد الرابع لتهبط السلم لقضاء حاجتها .. يبادرها عبد الصمد بأنفاسه المتلاحقة وهو يلهث ..صباح الخير يا هانم ..
صباح الخير يا حج ..أين سكن الريس عز الدين ؟
السيدة: بعد الدور الاخير في العمارة على السطح
.!.... عزالدين :شكرا يا هانم
كانت رحلة الصعود لعبد الصمد شديدة قاسية على جسده وقلبه . لكنه والحمد لله بلغ مراده وها هي السماء والهواء النقي يندفع إلى رئتيه فيرفع وجهه ويفتح منخاريه ويأخذ نفسا عميقا وكأنه يتلذذ بالهواء ...
كانت الحجرة التي يسكن بها عز الدين مبنية بالطوب الأحمر وسقفت بالساج ...قائمة بين ركام العمارة المتراكم حولها إلا من ممر ضيق أمام باب الحجرة ليمر به عز الدين ويهبط السلم ويعتلي كرسيه أما م باب العمارة ...
تقدم عبد الصمد وراح يطرق الباب الخشبي العتيق وهو ينادي صاحبه ويضع أذنه في الباب .. عز الدين ... عز الدين ... عز حبيبي .... لكن لا أحدا يجيب ! عاود الطرق مرة أخرى وإذا بأذنيه تسمع صرير وزمجرة الخشب يأتيه من الداخل وصوت أنين وتوجع شبه خافت ..ثم نوبة من سعال اشتدت
فنما إليه اليقين أن صاحبه مريض وقد حبسه المرض عنه .. نادى عبد الصمد مرة أخرى وهو يطلق عينيه من شق بين ألواح الباب فإذا بعز يتهيأ للقيام ليفتح له الباب ... راح عبد الصمد يشد من أذى وهمة صاحبه وهو يدعو له بالشفاء تارة وتارة ينهض عزمه
.. مد عز الدين يده وفتح الباب ويكاد يتوارى خلفه
وينظر بعينيه فإذا بعيد الصمد أمامه فتغرغر عينيه
ويمد عبد الصمد يده ليمسك به ويضمه إليه وهو يقول له وحشتنا يا رجل .. ألف لا بأس عليك يا صاحبي شغالتنا عليك وهو يخفي ما رآه من حالة عز الدين وما وصلت إليه صحته ..
كاد عز يسقط من يد عبد الصمد لولا أدركه العزم والقوة ڤأمسك به جيدا واجلسه على سريره المتهالك
..قال عبدالصمد وقد هاله حالة صاحبه الصحية :سأذهب بك إلى الطبيب
عز:لا يا صاحبي الشافي هو الله
عبد الصمد : لا بل سأذهب بك إلى الطبيب يا عز
عز : لا تجهد نفسك معي يا صاحبي فاني أقدر لك هذا واعلم أنك وفي منذ عرفتك..
كان عز يتكلم وهو يلتقط أنفاسه وكلما أراد أن يلتقطها عاوده السعال مرة أخرى
عبد الصمد :لا تجهد نفسك يا عز في الكلام وعلينا أن نذهب للطبيب كما قلت لك ولا تحمل هم الكشف ولا العلاج ....
عز :ربنا يبارك فيك يا صاحبي ولكن لي طلب مستعجل واهم من ذهابي للطبيب
وهو سر سافشيه لك وأمانة أجملها لك .. فالوقت حان والاجمل قريب مني كما ترى ..!
عبد الصمد: أنا تحت أمرك يا صاحبي قل ولا تخف ..!
عز: لعبد الصمد : هناك صندوق خشبي صغير مدفون تحت ملابسي إاتني به
عبد الصمد :ماذا به ؟
عز :ستعرف حالا ما به
راح عبد الصمد يحفر ويبحث في صندوق قديم تكدست فيه كل ملابس عز القديمة والجديدة
ويغوص بيديه ليصل إلى صندوق الخبيئة الخاصة بصاحبه .. أمسكت يد عبد الصمد بالصندوق وهو شغوف ليعرف ما به وما مراد عز والأمانة التي سوف
يوكلها عليها ليحملها وينفذها ....
وضع عبد الصمد الصندوق الصغير أمام عز وهو على السرير وهو ينتظر ماذا سيكون ؟...
أدار عز جسده وغمي يده تحت وسادة تحت رأسه وأحضر مفتاحا صغيرا ألحقه بخيط فيه وقام بفتح الصندوق .. ومد يده وأخرج كيسا بلاستيكيا به لفافة من أوراق قديمة ويده ترتعش وهو يمسك ببطاقة صفراء أكل الزمن جوانبها وكاد يبليها
ونظر إلى عبد الصمد وهو يقول له أمسك هذا وانظرها جيدا يا صاحبي ...
نظر عبد الصمد البطاقة وقرا بياناتها ثم قال:من هذا يا عز صاحب هذه البطاقة ؟
عز : أنه أنا عبد الصمد
فاسمي الحقيقي هو هاشم أبو معروف كما ترى
وهذا هو تاريخ ميلادي ومواطني بين أهلي في الصعيد بمحافظة سوهاج ......
عبد الصمد: وما الذي جعلك تخفي اسمك طول هذه المده؟.
عز :إنها قصة طويله يا صاحبي لكن سأقصها عليك حتى تقف على أمري طالما حملتك ووكلتك أمري و وضعت عندك سري
عبد الصمد :تكلم يا عز فأنا في شوق لسماعك