"مدينتي الفاضلة ....تابع 09...... ليس لي أية إلتزاماتٍ فوجدتُها فرصة سانحة لأقوم بالمسح الشامل لدروبِ مدينتي الشاسعة لأنظُر ما حلً بها ، ما إن خطوتُ بِضعَ خطواتٍ حتى شعرتُ بإرهاقٍ عجزتُ معهُ عن مواصلة مغامرتي هذه و خانتني قدماي فقررتُ العودة إلى المنزل و أخذ قِسطٍ من الراحة و خاصة أن السماء أخذت تتلبد و يكسو صفحة وجهها المُشرق ذلك الدكون القاتم غيَر ملامح الوجود في لمح البصر ، الحقيقة أني خائفٌ أن يتكرر معي ما حدث بالأمسِ ، ولجتُ الدار و قد مضى جُلُ النهارِ ولم أُفارق غرفتي وقد أرخى عليَ النُعاسُ سدائل الغفوانِ فَرُحتُ في سابِعِ نومٍ كما يُقال ، لم أستفق إلا عند منتصف الليل ، كنتُ أجوبُ سقف الغرفةِ بحثا عن أشلاءِ نفسي المبعثرة محاولا إسترداد ذاكرتي لأعرف في أي وقتٍ أنا ، كل الذي أذكرهُ أني كنتُ مُمددا على سريري لحظة عودتي إلى البيتِ مساء أمس ، تفحصتُ الوقت من خلال هاتفي النقال ،كان الوقت متأخرا و الساعة تُشير إلى منتصف الليل و أزيد بقليل ، إنها الثانية عشرة ليلا و عشرون دقيقة بالضبط ، أول ما شدَ إنتباهي هو تلك الإنفجارات المدوية تصدحُ في الأجواءِ تربِكُ ليل المدينة الهاديء ، إنها طلقات البرود المنبعثِ من فوهات البنادق كانت قوية و مدوية و قريبة جدا ، لم أستطع العودة للنوم ، كُنتُ على علمٍ أن أحد الجيران يُقيمُ حفل زواجٍ لإبنهِ ، إنهُ ليلُ مدينتي السادي تمتلك الجرأة لِتوقضَ الجميع غير آبِهةٍ بالعواقب ، مدينتي لها ذلك الجانب الغامض تستثمر فيه كيف تشاء ، إن ليلها أشبهُ بسفينةٍ حوصرت في جوفِ المحيط تتقاذفُها التيارات من كل الجهات و هي تناضل من أجل النجاة ، مدينتي تعيشُ الحرية المطلقة مزهوة بعيون بعض سكانها لا يغمضُ لهم جفنٌ و لا يحسبون للوقت أبدا ، مدينتي أيضا لها ذلك الطبعُ الحاد لا تُحبُ أن توجه لها الإنتقادات ، إختارت في هذه الليلة أن تختبر صبري وعزيمتي كما حِلمي ، أظُنُ أن أصوات البارود و تلك الزغاريد المنبعثة من أفواه النسوة طريقة سهلة لأغتم أنا ، ولئلا أعود إلى فراش النوم ، مدينتي الجحود هالها أن تراني أنعمُ بالراحة فأيقضت شُطارها من مُحبي الشغبِ فألهبوا ليلها رقصا و غناءا فأضحى الجو لا يساعِدُ على العودةِ إلى النومِ ، حتى أن بعضا إن لم أقُل كُل أفراد عائلتي لم يستطيعوا النوم أيضا ، تسللتُ خِلسة أطلُبُ الإنسلاخ خارِجا لإبتعِد عن جو المنزل فقد أصبح يخنقني ، أردتُ أن أرى ما يحدثُ خارجا ، ما إن تقدمتُ خطواتٍ نحو الباب الخارجيِ للبيت حتى نادتني و الدتي ، فهمتُ الرسالة سريعا ، فهو إستفسارٌ عن سرِ خروجي في هذا الوقت المُتأخِرِ من الليل و من جهة أُخرى أرادت إخباري أنها لم تستطع النوم أيضا في كذا أجواء ، أجبتُها في الحال موضحا لها عدم إبتعادي كثيرا عن المنزل و تملصتُ من البيت كما يمرُقُ السهمُ من الرمية أنْشُدُ مُبتغاي .....يتبع.... ريش الصحراوي ....